PERTANYAAN:
🔪 Ahmad Maulana 🔪
Assalamualaikum
Hmm.. lama gk mampir sekali mampir mau tanya, kalau saat puasa mencium istri itu batal gak puasanya?

JAWABAN:
🔪 Ismidar Abdurrahman As-Sanusi 🔪
Wa'alaikumussalam

CIUMAN SAAT PUASA
Menurut Mayoritas Ulama (Hanafiyyah, Syafi'iyyah dan Hanabilah) mencium istri hukumnya makruh bila tidak aman dari syahwat atau tidak kuat menahan syahwat yang berujung keluar mani atau jima'. Sedangkan bila aman dari semua itu maka tidak dimakruhkan baik ciuman pada mulut maupun selainnya. 

Kemakruhannya tergolong makruh tahrim menurut pendapat yang paling shahih dari kalangan Syafi'iyyah sedang pendapat lain makruh tanzih. Namun yang utama tidak melakukannya, tidak ada perbedaan menurut Madzhab Syafi'i bagi yang tua maupun yang muda.

Menurut Malikiyyah ciuman saat puasa bila dengan maksud berlezat_lezatan (kenikmatan) dan mengetahui selamat dari keluar mani atau madzi maka makruh bila sebaliknya haram. Namun, dalam keterangan lain dari kalangan mereka memakruhkan ciuman saat puasa secara mutlak.

Akan tetapi para Fuqoha' sepakat ciuman saat puasa tidak membatalkan puasa walaupun dengan maksud mencari kenikmatan dan tidak keluar mani, namun bila keluar mani mereka sepakat membatalkan puasa.
Wallahu A'lamu Bis Showaab

Referensi:
Al_Mausu'ah al_Fiqhiyyah al_Kuwaitiyyah XIII/135-136:

أَثَرُ التَّقْبِيل عَلَى الصِّيَامِ:
١٧ - يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ تَقْبِيل الزَّوْجَةِ إِنْ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ وُقُوعَ مُفْسِدٍ مِنَ الإِْنْزَال وَالْجِمَاعِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَال: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ شَابٌّ فَقَال يَا رَسُول اللَّهِ - أُقَبِّل وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَال: لاَ. فَجَاءَ شَيْخٌ فَقَال: أُقَبِّل وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَال: نَعَمْ، فَنَظَرَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ عَلِمْتُ لِمَ نَظَرَ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ إِنَّ الشَّيْخَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ (١) . وَلأَِنَّهُ إِذَا لَمْ يَأْمَنِ الْمُفْسِدَ رُبَّمَا وَقَعَ فِي الْجِمَاعِ فَيَفْسُدُ صَوْمُهُ.
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَمَحَل الْكَرَاهَةِ إِذَا كَانَتِ الْقُبْلَةُ بِقَصْدِ اللَّذَّةِ لاَ إِنْ كَانَ بِدُونِ قَصْدِهَا، كَأَنْ تَكُونَ بِقَصْدِ وَدَاعٍ أَوْ رَحْمَةٍ فَلاَ كَرَاهَةَ (٢) .
وَإِذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ وُقُوعَ مُفْسِدٍ فَلاَ بَأْسَ بِالتَّقْبِيل عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّل وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ (٣) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: تُكْرَهُ الْقُبْلَةُ بِقَصْدِ اللَّذَّةِ لِلصَّائِمِ لَوْ عُلِمَتِ السَّلاَمَةُ مِنْ خُرُوجِ مَنِيٍّ أَوْ مَذْيٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ السَّلاَمَةَ حَرُمَتْ (١) .
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّقْبِيل وَلَوْ كَانَ بِقَصْدِ اللَّذَّةِ لاَ يُفْطِرُ الصَّائِمُ مَا لَمْ يُسَبِّبِ الإِْنْزَال، أَمَّا إِذَا قَبَّل وَأَنْزَل بَطَل صَوْمُهُ اتِّفَاقًا بَيْنَ الْمَذَاهِبِ (٢) .
______________
(١) حديث: " إن عبد الله بن عمر قال: " كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء شاب فقال. . " أخرجه أحمد (٢ / ١٨٥ ـ ط المكتب الإسلامي) . قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وفيه كلام (مجمع الزوائد: ٣ / ١٦٦ ط دار الكتاب العربي) .
(٢) الاختيار ١ / ١٣٤، ابن عابدين ٢ / ١١٢، ١١٣، والقليوبي ٢ / ٥٨، والمغني لابن قدامة ٣ / ١١٢، ١١٣.
(٣) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل ويباشر وهو صائم "، أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ١٩٤ ـ ط السلفية) . ومسلم (٢ / ٧٧٧ـ ط عيسى الحلبي) .
(١) جواهر الإكليل ١ / ١٤٧.
(٢) نفس المراجع السابقة، وانظر الزيلعي ١ / ٣٢٣، والشرح الصغير للدردير ١ / ٧٠٧، والمهذب ١ / ١٨٣، منتهى الإرادات ١ / ٢٢١.

Fiqh as_Sunnah I/460-461:

٣ - القبلة: لمن قدر على ضبط نفسه.
فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم (١) ، وكان أملككم لاربه ".
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: " هششت (٢) يوما، فقبلت وأنا صائم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: صنعت اليوم أمرا عظيما، قبلت وأنا صائم، فقال رسول الله عليه وسلم: " أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ " قلت: لا بأس بذلك؟، قال: " ففيم (١) ".
قال ابن المنذر رخص في القبلة عمر وابن عباس وأبو هريرة وعائشة، وعطاء، والشعبي، والحسن، وأحمد، وإسحاق.
ومذهب الاحناف والشافعية: أنها تكره على من حركت شهوته، ولا تكره لغيره، لكن الاولى تركها.
ولا فرق بين الشيخ والشاب في ذلك، والاعتبار بتحريك الشهوة، وخوف الانزال، فإن حركت شهوة شاب، أو شيخ قوي، كرهت وإن لم تحركها لشيخ أو شاب ضعيف، لم تكره، والاولى تركها، وسواء قبل الخد أو الفم أو غيرهما.
وهكذا المباشرة باليد والمعانقة لهما حكم القبلة.
____________
(١) والمقصود المداعبة (٢) " هششت " أي نشطت.
(١) " ففيم " أي ففيم السؤال.

Al_Majmuu' ala Syarh al_Muhadzdzab VI/354-355:

* قال المصنف رحمه الله
* {ومن حركت القبلة شهوته كره له أن يقبل وهو صائم والكراهة كراهة تحريم وان لم تحرك شهوته قال الشافعي فلا بأس بها وتركها أولي والاصل في ذلك ماروت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقبل ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لاربه " وعن ابن عباس انه ارخص فيها للشيخ وكرهها للشاب ولانه في حق احدهما لا يأمن ان ينزل فيفسد الصوم وفى الاخر يأمن ففرق بينهما}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ " وَعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ فَقَالَ سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يصنع ذلك فقال يارسول اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهِ إنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ هَذَا هُوَ الْحِمْيَرِيُّ هَكَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَلَيْسَ هُوَ ابْنَ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " قَالَ هَشَشْتُ يَوْمًا فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إنِّي صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْتُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ فَفِيمَ " رَوَاهُ أبو داود قد سبق بيانه حيث ذكره المصنف ومما جاء في كراهتها للشاب وَنَحْوِهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " رُخِّصَ لِلْكَبِيرِ الصَّائِمِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَكُرِهَ لِلشَّابِّ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ هَكَذَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ وَرَوَاهُ مَالِكٌ والشافعي والبيهقي باسانيدهم الصحيحة عن عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَأَرْخَصَ فِيهَا لِلشَّيْخِ وَكَرِهَهَا للشاب هكذا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَوْقُوفًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ وَأَتَاهُ آخَرُ فَنَهَاهُ هَذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ وَاَلَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَعَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فجاء شاب فقال يارسول اللَّهِ أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ لَا فَجَاءَ شَيْخٌ فَقَالَ أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ ميمونة مولاة النبي صلي الله عليه قَالَتْ " سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا صَائِمَانِ فَقَالَ قَدْ أَفْطَرَا " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ باسناد ضعيف قال الدارقطني روايه مَجْهُولٌ قَالَ وَلَا يَثْبُتُ هَذَا وَعَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ " قُلْتُ
لِعَائِشَةَ أَيُبَاشِرُ الصَّائِمُ قَالَتْ لَا قُلْتُ أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يباشر قالت كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُبْلَةِ (وَقَوْلُهَا) لِإِرْبِهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعَ إسْكَانِ الراء وروى أيضا بفتحهما جميعا
* (أما) حكم الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تُكْرَهُ الْقُبْلَةُ عَلَى مَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ وَلَا تُكْرَهُ لِغَيْرِهِ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ فِي ذَلِكَ فَالِاعْتِبَارُ بِتَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ وَخَوْفِ الْإِنْزَالِ فَإِنْ حَرَّكَتْ شَهْوَةَ شَابٍّ أَوْ شَيْخٍ قَوِيٍّ كُرِهَتْ وَإِنْ لَمْ تُحَرِّكْهَا لِشَيْخٍ أَوْ شَابٍّ ضَعِيفٍ لَمْ تُكْرَهْ وَالْأَوْلَى تَرْكُهَا وَسَوَاءٌ قَبَّلَ الْخَدَّ أَوْ الْفَمَ أَوْ غَيْرَهُمَا وَهَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بِالْيَدِ وَالْمُعَانَقَةُ لَهُمَا حُكْمُ الْقُبْلَةِ ثُمَّ الْكَرَاهَةُ فِي حَقِّ مَنْ حَرَّكَتْ شهوته كراهة تحريم عند المنصف وشيخه القاضي أبى الطيب والعبد رى وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ آخَرُونَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ مَا لَمْ يُنْزِلْ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَصَحُّ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَإِذَا قَبَّلَ وَلَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ قُلْنَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا كَرَاهَتُهَا لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ وَلَا تُكْرَهُ لِغَيْرِهِ وَالْأَوْلَى تَرْكُهَا فَإِنْ قَبَّلَ مَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ وَلَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ والحسن واحمد واسحق قال وكان سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ لَا يَرَى بِالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ وَكَرِهَ مَالِكٌ الْقُبْلَةَ لِلشَّابِّ وَالشَّيْخِ فِي رَمَضَانَ وَأَبَاحَتْهَا طَائِفَةٌ للشيخ دون الشاب ممن قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إنْ خَافَ الْمُجَاوَزَةَ مِنْ الْقُبْلَةِ إلَى غَيْرِهَا لَمْ يُقَبِّلْ هَذَا نَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَذْهَبِنَا وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ مَنْ قَبَّلَ فِي رَمَضَانَ قَضَى يوما مكانه وحكاه الماورى عن محمد ابن الحنفية وعبد الله ابن شُبْرُمَةَ قَالَ وَقَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ الْقُبْلَةُ لَا تُفْطِرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا إنْزَالٌ فَإِنْ أَنْزَلَ مَعَهَا أَفْطَرَ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ تُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ فِي الاحاديث وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

Al_Hawi al_Kabir  III/438-440:

مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَنْ حَرَّكَتِ الْقُبُلَةُ شَهْوَتَهُ كَرِهْتُهَا لَهُ وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَنْتَقِضْ صَوْمُهُ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ (قَالَ إبراهيم) سمعت الربيع يقول فيه قولٌ آخر أنه يفطر إلا أن يغلبه فيكون في معنى المكره يبقى ما بين أسنانه وفي فيه من الطعام فيجري به الريق وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه كان يقبل وهو صائم قالت عائشة وكان أملككم لإربه بأبي هو أمي (قال) وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كانا يكرهانها للشباب ولا يكرهانها للشيخ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.
وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ: أَنَّ الْقُبْلَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ تَعَلُّقًا بِرِوَايَةِ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " إذا قبل الصائم الصائمة فقد أفطره ".
وَذَهَبَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ: إِلَى أَنَّ الْقُبْلَةَ لَا تُفْطِرُ الصَّائِمَ إِلَّا أَنْ يُنْزِلَ مَعَهَا، فَإِنْ أَنْزَلَ أَفْطَرَ، وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنَّمَا لَمْ يُفْطِرْ بِالْقُبْلَةِ، إِذَا لَمْ يُنْزِلْ لِمَا رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عِنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَ أَرَاكِ هِيَ فَضَحِكَتْ.
 وَرَوَى الْأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمُ لِإِرْبِهِ بِتَسْكِينِ الرَّاءِ، وَرُوِيَ لِأَرْبِهِ بِفَتْحِهَا وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَرَادَتِ الْعُضْوَ نَفْسَهُ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ إِنَّهَا أَرَادَتْ شَهْوَتَهُ، وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ زَوْجَتَهُ أَنْ تَسْأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ عَنِ الصَّائِمِ، يُقَبِّلُ زَوْجَتَهُ فَسَأَلَتْهَا، فَقَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ فَرْجَعَتِ الْمَرْأَةُ وَأَخْبَرَتْ زَوْجَهَا فَغَضِبَ وَقَالَ لَسْنَا كَرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وما تأخرا ارجعي فاسأليها عَنْ حَالِنَا فَرْجَعَتْ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَأَخْبَرَتْهَا فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لَا عِلْمَ لِي حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَلَا أَخْبَرْتِيهَا بِذَلِكَ فَقَالَتْ قَدْ أَخْبَرْتُهَا فَقَالَتْ كَيْتَ وَكَيْتَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَقْوَمَكُمْ عَلَى دِينِهِ وَرَوَى جَابِرٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَنَعْتُ أَمْرًا عَظِيمًا فَتَجِدُ لِي مِنْ رجعةٍ فَقَالَ وَمَا ذَلِكَ فَقُلْتُ: قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ يَا عُمَرُ أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِالْمَاء قُلْتُ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ فَفِيمَ يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْقُبْلَةَ بِلَا إِنْزَالٍ كَالْمَضْمَضَةِ بِلَا ازْدِرَادٍ فَأَمَّا خَبَرُ مَيْمُونَةَ فَإِنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ إِذَا أَنْزَلَ، أَوْ يَكُونُ عَلَى طَرِيقِ التَّغْلِيظِ وَالزَّجْرِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ ".
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقُبْلَةَ بِلَا إِنْزَالٍ لَا تُفْطِرُ الصَّائِمَ انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى الْكَرَاهَةِ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُنْظَرُ فِي حَالِهِ، فَإِنْ كَانَتِ الْقُبْلَةُ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ، وَلَا تُبْطِلُ صَوْمَهُ إِلَّا أَنْ يُنْزِلَ فَإِنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ، فَهِيَ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ، وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ ابن عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ فِي الْحَالَيْنِ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَهَا فِي الْحَالَيْنِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ تَعَلُّقًا، بِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمَنَامِ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَقُلْتُ: مَا لِي فَقَالَ إِنَّكَ تُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ قَالَ: وَلِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَنَعَ مِنَ الْجِمَاعِ مَنَعَ مِنْ دَوَاعِيهِ كَالْحَجِّ وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ مَعَ مَا رَوَيْنَاهُ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَأَلَهُ عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ فِيهَا ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَنَهَاهُ عَنْهَا، فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ فِيهَا شَيْخٌ وَالَّذِي نَهَاهُ عَنْهَا شَابٌّ وَلِأَنَّ الْقُبْلَةَ إِنَّمَا تُكْرَهُ خَوْفَ الْإِنْزَالِ، فَإِذَا لَمْ تَتَحَرَّكْ عَلَيْهِ الشَّهْوَةُ أَمِنَ الْإِنْزَالَ فَلَمْ تُكْرَهْ لَهُ، وَإِذَا تَحَرَّكَتْ عَلَيْهِ الشَّهْوَةُ، خَافَ الْإِنْزَالَ فَكُرِهَتْ لَهُ فَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّا قَدْ رُوِّينَا عَنْهُ لَفْظًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَاحَ قُبْلَةَ الصَّائِمِ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ مَا نَقَلَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَفْظًا فِي الْيَقَظَةِ، بِمَا رَوَاهُ فِي الْمَنَامِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ فِي اسْتِعْمَالِهِ نَسْخًا لِلْخَبَرِ الْآخَرِ وَالنَّسْخُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، لَا يَقَعُ وَاعْتِبَارُهُمْ بِالْحَجِّ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِي الْمَنْعِ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ مِنَ الصَّوْمِ، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الْعَقْدِ وَالطِّيبِ فَجَازَ أَنْ يَمْنَعَ مِنَ الْقُبْلَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّوْمُ.

Al_Umm II/107:

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ حَرَّكَتْ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ كَرِهْتهَا لَهُ، وَإِنْ فَعَلَهَا لَمْ يُنْقَضْ صَوْمُهُ وَمَنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ فَلَا بَأْسَ لَهُ بِالْقُبْلَةِ، وَمِلْكُ النَّفْسِ فِي الْحَالَيْنِ عَنْهَا أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ مَنْعُ شَهْوَةٍ يُرْجَى مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثَوَابُهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يُنْقَضُ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ الْقُبْلَةَ لَوْ كَانَتْ تَنْقُضُ صَوْمَهُ لَمْ يُقَبِّلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُرَخِّصْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ فِيهَا كَمَا لَا يُرَخِّصُونَ فِيمَا يُفْطِرُ وَلَا يَنْظُرُونَ فِي ذَلِكَ إلَى شَهْوَةٍ فَعَلَهَا الصَّائِمُ لَهَا وَلَا غَيْرِ شَهْوَةٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ» ثُمَّ تَضْحَكُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ إذَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ قَالَتْ وَأَيُّكُمْ أَمْلَكُ لِإِرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَرَ الْقُبْلَةَ تَدْعُو إلَى خَيْرٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَأَرْخَصَ فِيهَا لِلشَّيْخِ وَكَرِهَهَا لِلشَّابِّ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَذَا عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى مَا وَصَفْت، لَيْسَ اخْتِلَافًا مِنْهُمْ: وَلَكِنْ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، لِئَلَّا يَشْتَهِيَ فَيُجَامِعَ، وَبِقَدْرِ مَا يَرَى مِنْ السَّائِلِ أَوْ يَظُنُّ بِهِ.
Mukhtashor al_Muzani VIII/153:
(قَالَ) : وَمَنْ حَرَّكَتْ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ كَرِهْتهَا لَهُ وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَنْتَقِضْ صَوْمُهُ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ (قَالَ إبْرَاهِيمُ) : سَمِعْت الرَّبِيعَ يَقُولُ: فِيهِ قَوْلٌ آخَرَ أَنَّهُ يُفْطِرُ إلَّا أَنْ يَغْلِبَهُ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمُكْرَهِ يَبْقَى مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَفِي فِيهِ مِنْ الطَّعَامِ فَيَجْرِي بِهِ الرِّيقُ وَرُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي (قَالَ) : وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَكْرَهَانِهَا لِلشَّبَابِ وَلَا يَكْرَهَانِهَا لِلشَّيْخِ.
Roudhoh at_Tholibin II/362:
فَرْعٌ
تُكْرَهُ الْقُبْلَةُ لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ وَلَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي: كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَلَا تُكْرَهُ لِغَيْرِهِ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهَا.
Al_Bayan Fi Fiqh al_Imam as_Syafi'i III/534-535:
[مسألة: القبلة للصائم]
] : ومن حركت القبلة شهوته، وخاف أن ينزل.. كرهت له وقال الشيخ أبو إسحاق والقاضي أبو الطيب: والكراهة كراهة تحريم، وإن لم تحرك شهوته.. لم يكره.
وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (تكره القبلة للصائم بكل حال)
وقال ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (لا تكره له بحال)
دليلنا: ما روي عن عائشة أُم المؤمنين: أنها قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبل، ويباشر بعض نسائه، وهو صائم، وكان أملككم لإربه، فقيل: من هي إلا أنت؟ فضحكت» .
وقد روي: (لإربه) - بالكسر-: وهو العضو، ومنه قولهم: (قطعته إرباً إربا) .
وروي: (لأربه) - بالفتح -: وهو الحاجة.
وروى أبو هريرة: «أن رجلا سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن القبلة للصائم؟ فأباحها له، وسأله آخر عنها، فكرهها له» . فيحمل ذلك على: أن الذي كرهها له شاب، والذي أباحها له شيخ.
 ولأنه يؤمن الإنزال وإفساد الصوم به في حق الشيخ، والشاب الضعيف، ولا يؤمن ذلك في حق الآخر.
Al_Ghoror al_Bahiyyah II/221-222:
(وَ) تَرْكُ (الْقُبْلَةِ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الشَّهَوَاتِ وَخَصَّهَا كَغَيْرِهِ بِالذِّكْرِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ (وَإِنْ تُحَرِّكْ شَهْوَةً) لَهُ بِأَنْ خَافَ الْإِنْزَالَ، أَوْ الْجِمَاعَ (تُكْرَهُ لَهُ) أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلشَّيْخِ، وَهُوَ صَائِمٌ وَنَهَى عَنْهَا الشَّابَّ وَقَالَ الشَّيْخُ يَمْلِكُ إرْبَهُ، وَالشَّابُّ يَفْسُدُ صَوْمُهُ» وَلَا فَرْقَ فِي الْكَرَاهَةِ بَيْنَ الشَّابِّ، وَالشَّيْخِ كَمَا أَفْهَمَهُ التَّعْلِيلُ فِي الْخَبَرِ فَالتَّعْبِيرُ بِهِمَا فِي الْإِخْبَارِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ لَمْ تُكْرَهْ لَكِنَّهَا خِلَافُ الْأُولَى
Al_Minhaj al_Qowiim I/254:
"و" ترك "القبلة" في الفم أو غيره والمعانقة واللمس ونحو ذلك إن لم يخش الإنزال لأنه قد يظنها غير محركة وهي محركة. "وتحرم" ولو على نحو شيخ "إن خشي فيها" أو في غيرها مما ذكر "الإنزال" أو فعل الجماع ولو بلا إنزال لأن في ذلك تعريضًا لإفساد العبادة، وصح أنه صلى الله عليه وسلم رخص في القبلة للشيخ وهو صائم ونهى عنها الشاب وقال: "الشيخ يملك إربه والشاب يفسد صومه" ٦ فأفهم التعليل أن الحكم دائر مع خشية ما ذكر وعدمها.
Mughni al_Muhtaaj II/159-160:
(وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ) فِي الْفَمِ أَوْ غَيْرِهِ (لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ) رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً كَمَا هُوَ الْمُتَّجَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِحَيْثُ يَخَافُ مَعَهُ الْجِمَاعَ أَوْ الْإِنْزَالَ، وَالْمُعَانَقَةُ وَاللَّمْسُ وَنَحْوُهُمَا بِلَا حَائِلٍ كَالْقُبْلَةِ فِيمَا ذُكِرَ (وَالْأَوْلَى لِغَيْرِهِ) أَيْ لِمَنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ وَلَوْ شَابًّا (تَرْكُهَا) حَسْمًا لِلْبَابِ، إذْ قَدْ يَظُنُّهَا غَيْرَ مُحَرِّكَةٍ وَهِيَ مُحَرِّكَةٌ؛ وَلِأَنَّ الصَّائِمَ يُسَنُّ لَهُ تَرْكُ الشَّهَوَاتِ مُطْلَقًا (قُلْتُ: هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لِإِفْسَادِ الْعِبَادَةِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلشَّيْخِ وَهُوَ صَائِمٌ وَنَهَى عَنْهَا الشَّابَّ، وَقَالَ: الشَّيْخُ يَمْلِكُ إرَبَهُ، وَالشَّابُّ يُفْسِدُ صَوْمَهُ» فَفَهِمَ الْأَصْحَابُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْأَمْرَ دَائِرٌ مَعَ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَعَدَلَ هُنَا وَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ قَوْلِ أَصْلَيْهِمَا: تُحَرِّكُ إلَى حَرَّكَتْ لِمَا لَا يَخْفَى يَعْنِي أَنَّا إذَا قُلْنَا: تُكْرَهُ الْقُبْلَةُ لِمَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ يَكُونُ ذَلِكَ شَامِلًا لِمَنْ حَرَّكَتْ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ وَلِمَنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ، وَالثَّانِي لَيْسَ مُرَادًا، وَإِذَا قُلْنَا لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ لَمْ تَشْمَلْ الْعِبَارَةُ الثَّانِيَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَحْرِيكَ الْقُبْلَةِ الشَّهْوَةَ أَخَصُّ مِنْ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ الْمُطْلَقِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ مَنْ عَبَّرَ بِتَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ أَيْ بِسَبَبِ الْقُبْلَةِ فَهُوَ بِمَعْنَى التَّحْرِيكِ.
فَائِدَةٌ: سَأَلَ رَجُلٌ إمَامَنَا الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: [الطَّوِيلُ]
سَلْ الْعَالِمَ الْمَكِّيَّ هَلْ فِي تَزَاوُرٍ ... وَضَمَّةِ مُشْتَاقِ الْفُؤَادِ جُنَاحُ
فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: [الطَّوِيلُ]
فَقُلْتُ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُذْهِبَ التُّقَى ... تَلَاصُقُ أَكْبَادٍ بِهِنَّ جِرَاحُ
قَالَ الرَّبِيعُ: فَسَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ كَيْفَ أَفْتَى بِهَذَا، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ قَدْ أَعْرَسَ فِي هَذَا الشَّهْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ حَدِيثُ السِّنِّ، فَسَأَلَ هَلْ عَلَيْهِ جُنَاحٌ أَنْ يُقَبِّلَ أَوْ يَضُمَّ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ فَأَفْتَيْتُهُ بِهَذِهِ الْفُتْيَا اهـ. وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ.
Nihaayah al_Muhtaaj III/174:
(وَتُكْرَهُ) (الْقُبْلَةُ) فِي الْفَمِ وَغَيْرِهِ (لِمَنْ حُرِّكَتْ شَهْوَتُهُ) لِخَبَرِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلشَّيْخِ وَهُوَ صَائِمٌ وَنَهَى عَنْهَا الشَّابَّ وَقَالَ: الشَّيْخُ يَمْلِكُ إرْبَهُ وَالشَّابُّ يُفْسِدُ صَوْمَهُ» فَفَهِمْنَا مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ دَائِرٌ مَعَ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ وَعَدَمِهَا (وَالْأَوْلَى لِغَيْرِهِ تَرْكُهَا) حَسْمًا لِلْبَابِ إذْ قَدْ يَظُنُّهَا غَيْرَ مُحَرِّكَةٌ وَهِيَ مُحَرِّكَةٌ، وَلِأَنَّ الصَّائِمَ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ الشَّهَوَاتِ مُطْلَقًا، وَضَابِطُ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ خَوْفُ الْإِنْزَالِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (قُلْت: هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ فِي الْأَصَحِّ، اللَّهُ أَعْلَمُ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لِإِفْسَادِ الْعِبَادَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا كَانَ فِي فَرْضٍ إذْ النَّفَلُ يَجُوزُ قَطْعُهُ بِمَا شَاءَ وَالْمُعَانَقَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ بِالْيَدِ كَالتَّقْبِيلِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَعَدَلَ هُنَا، وَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ قَوْلِ أَصْلَيْهِمَا تَحَرَّكَ إلَى حُرِّكَتْ لِمَا يَخْفَى ظَاهِرٌ لِأَنَّ (حُرِّكَتْ) مَاضٍ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ جَرَّبَ نَفْسَهُ وَعَرَفَ مِنْهَا ذَلِكَ بِخِلَافِ تَحَرَّكَ فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَا ذُكِرَ لِصَلَاحِيَّتِهِ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ
Hasyiyah al_Jamal II/322:
(قَوْلُهُ: وَحَرُمَ نَحْوُ لَمْسٍ. . . إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ الصَّوْمُ فَرْضًا إذْ النَّفَلُ يَجُوزُ قَطْعُهُ بِمَا شَاءَ وَقَوْلُهُ: كَقُبْلَةٍ وَكَالْقُبْلَةِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ النَّظَرُ، وَالْفِكْرُ اهـ. مِنْ شَرْحِ م ر (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَحَرُمَ نَحْوُ لَمْسٍ) أَيْ بِلَا حَائِلٍ فِي صَوْمِ فَرْضٍ فَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ أَنْزَلَ عِنْدَ اللَّمْسِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ الْمُحَرِّكُ لِلشَّهْوَةِ أَفْطَرَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: خَوْفَ الْإِنْزَالِ إذْ خَوْفُ الْإِنْزَالِ غَيْرِ الْمُفْطِرِ لَا نَظَرَ إلَيْهِ وَهَذَا كَمَا لَا يَخْفَى غَيْرُ الِاسْتِمْنَاءِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ بِقَوْلِنَا فَإِنْ اتَّفَقَ. . . إلَخْ، وَقَوْلُهُ: خَوْفَ الْإِنْزَالِ قَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ إنَّ هَذَا فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تَحْرِيكَ الشَّهْوَةِ أَنْ يَخَافَ الْإِنْزَالَ. اهـ. ح ل (قَوْلُهُ: كَقُبْلَةٍ) أَيْ فِي فَمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ وَكَذَا عَكْسُهُ.
فَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: إنْ حَرَّكَ شَهْوَةً) مَعْنَى تَحْرِيكِهَا أَنْ يَخَافَ مِنْهَا الْإِنْزَالَ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ.
Haayiyah al_Bujairomi ala al_Khothib II/381-382:
قَوْلُهُ: (كَقُبْلَةٍ إنْ حَرَّكَتْ شَهْوَةً) هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا فَمِنْ خَصَائِصِهِ الْقُبْلَةُ فِي الصَّوْمِ مَعَ وُجُودِ الشَّهْوَةِ، «فَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ عَائِشَةَ وَهُوَ صَائِمٌ وَيَمُصُّ لِسَانَهَا» ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلَعْ رِيقَهُ الْمُخْتَلِطَ بِرِيقِهَا كَمَا فِي ح ل فِي السِّيرَةِ. قَالَ فِي الْخَصَائِصِ: اُخْتُصَّ بِجَوَازِ الْقُبْلَةِ بِضَمِّ الْقَافِ فِي الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ مَعَ قُوَّةِ شَهْوَتِهِ.
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ وَيَمُصُّ لِسَانَهَا» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالْأَرْبَعَةِ عَنْهَا: «أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ» وَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ، فَجَعَلُوا الْقُبْلَةَ سُنَّةً لِلصَّائِمِ وَقُرْبَةً مِنْ الْقُرَبِ اقْتِدَاءً بِهِ؛ وَكَرِهَهَا آخَرُونَ وَرَدُّوا عَلَى أُولَئِكَ بِأَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ إرْبَهُ فَلَيْسَ كَغَيْرِهِ؛ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ فِي خَبَرِهِمَا عَنْهَا، وَلَفْظُهُ: «كَانَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمَلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا تَحْرُمُ لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ وَتُبَاحُ لِغَيْرِهِ، وَكَيْفَمَا كَانَ لَا يُفْطِرُ إلَّا بِالْإِنْزَالِ.
وَالْقُبْلَةُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: قُبْلَةُ مَوَدَّةٍ نَحْوُ قُبْلَةِ الْأَصْلِ لِفَرْعِهِ فِي الْخَدِّ، وَقُبْلَةُ رَحْمَةٍ وَهِيَ قُبْلَةُ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ عَلَى الرَّأْسِ، وَقُبْلَةُ شَفَقَةٍ كَقُبْلَةِ الْأُخْتِ لِلْأَخِ عَلَى الْجَبْهَةِ. وَقُبْلَةُ تَحِيَّةٍ وَهِيَ قُبْلَةُ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى الْيَدِ. وَقُبْلَةُ شَهْوَةٍ كَقُبْلَةِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ عَلَى الْفَمِ. اهـ. مَيْدَانِيٌّ.
Hasyiyah al_Bujairomi ala al_Manhaj II/75:
(قَوْلُهُ: لَا بِنَظَرٍ وَفِكْرٍ) مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ الْإِنْزَالُ بِهِمَا وَإِلَّا أَفْطَرَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف وَالنَّظَرُ وَالْفِكْرُ الْمُحَرِّكَانِ لِلشَّهْوَةِ كَالْقُبْلَةِ فَيَحْرُمَانِ وَإِنْ لَمْ يُفْطِرْ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: وَحَرُمَ نَحْوُ لَمْسٍ) أَيْ إنْ كَانَ الصَّوْمُ فَرْضًا لِجَوَازِ قَطْعِ النَّفْلِ. (قَوْلُهُ: إنْ حَرَّكَ شَهْوَةً) ضَابِطُ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ خَوْفُ الْإِنْزَالِ أَيْ فَلَا يَضُرُّ انْتِصَابُ الذَّكَرِ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ مَذْيٌ ع ش وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِتَحْرِيكِهَا هَيَجَانُهَا، وَتَفْسِيرُهَا بِخَوْفِ الْإِنْزَالِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مُصَادَرَةٌ وَهِيَ هُنَا أَخْذُ بَعْضِ الدَّعْوَى فِي الدَّلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: خَوْفُ الْإِنْزَالِ
As_Siraaj al_Wahhaajj I/141:
وَتكره الْقبْلَة لمن حركت شَهْوَته
بِحَيْثُ يخَاف مَعَه الْجِمَاع أَو الانزال وَلَو لامْرَأَة
وَالْأولَى لغيره
أَي لمن لم تحرّك شَهْوَته
تَركهَا
لِأَن الصَّائِم يسن لَهُ ترك الشَّهَوَات
قلت هِيَ كَرَاهَة تَحْرِيم فِي الْأَصَح وَالله أعلم
وَمُقَابِله كَرَاهَة تَنْزِيه
Al_Fiqh al_Manhaji ala Madzhab Syafi'i II/86:
هذا وتكره القبلة في رمضان كراهة تحريم لمن حركت شهوته، رجلا كان أو امرأة، لأن في ذلك تعريضاَ لإفساد الصوم.
أما من لم تحرك شهوته، فالأولى له تركها حسماً للباب.
روى مسلم (١١٠٦) عن عائشة رضي الله عنهما قالت: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلني وهو صائم. وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه ".
قال العلماء: ومعنى كلام عائشة رضي الله عنهما: أنه ينبغي لكم الاحتراز عن القبلة، ولا تتوهموا من أنفسكم أنكم مثل النبي - صلى الله عليه وسلم - في استباحتها، لأنه يملك نفسه، ويأمن الوقوع في قبلة يتولد منها إنزال أو شهوة، أو هيجان نفس ونحو ذلك، وأنتم لا تأمنون ذلك.
Al_Kaafi Fi Fiqh al_Imam Ahmad I/449:
فصل:
وتكره القبلة لمن تحرك شهوته؛ لأنه لا يأمن إفضاءها إلى فساد صومه ومن لا تحرك شهوته فيه روايتان:
إحداهما: يكره؛ لأنه لا يأمن من حدوث شهوة.
والأخرى: لا يكره، «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقبل وهو صائم» متفق عليه لما كان أملك لإربه، وقد روي عن أبي هريرة «أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المباشرة للصائم فرخص له، فأتاه آخر وسأله فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ. والذي نهاه شاب» . رواه أبو داود، والحكم في اللمس وتكرار النظر كالحكم في القبلة؛ لأنهما في معناها.
Al_Mughni III/127-128:
[فَصْلُ الصَّائِم إذَا قَبَّلَ فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى]
(٢٠٣٢) الْفَصْلُ الرَّابِعُ: إذَا قَبَّلَ فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى، وَلَا يَخْلُو الْمُقَبِّلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ لَا يُنْزِلَ، فَلَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِذَلِكَ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ. وَيُرْوَى بِتَحْرِيكِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ حَاجَةُ النَّفْسِ وَوَطَرُهَا، وَقِيلَ بِالتَّسْكِينِ: الْعُضْوُ. وَبِالْفَتْحِ: الْحَاجَةُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «هَشَشْتُ فَقَبَّلْت وَأَنَا صَائِمٌ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ: صَنَعْت الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا، قَبَّلْت وَأَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضْت مِنْ إنَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ قُلْت: لَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ: فَمَهْ؟ .» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. شَبَّهَ الْقُبْلَةَ بِالْمَضْمَضَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الشَّهْوَةِ، وَأَنَّ الْمَضْمَضَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نُزُولُ الْمَاءِ لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا نُزُولُهُ أَفْطَرَ. إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: هَذَا رِيحٌ، لَيْسَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ.
الْحَالُ الثَّانِي، أَنْ يُمْنِيَ فَيُفْطِرَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إيمَاءِ الْخَبَرَيْنِ، وَلِأَنَّهُ إنْزَالٌ بِمُبَاشَرَةٍ، فَأَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِالْجِمَاعِ دُونَ الْفَرْجِ. الْحَالُ الثَّالِثُ، أَنْ يُمْذِيَ فَيُفْطِرَ عِنْدَ إمَامِنَا وَمَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُفْطِرُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، لِأَنَّهُ خَارِجٌ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، أَشْبَهَ الْبَوْلَ. وَلَنَا أَنَّهُ خَارِجٌ تَخَلَّلَهُ الشَّهْوَةُ، خَرَجَ بِالْمُبَاشَرَةِ، فَأَفْسَدَ الصَّوْمَ، كَالْمَنِيِّ، وَفَارَقَ الْبَوْلَ بِهَذَا، وَاللَّمْسُ لِشَهْوَةٍ كَالْقُبْلَةِ فِي هَذَا. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْمُقَبِّلَ إذَا كَانَ ذَا شَهْوَةٍ مُفْرِطَةٍ، بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إذَا قَبَّلَ أَنْزَلَ، لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْقُبْلَةُ؛ لِأَنَّهَا مُفْسِدَةٌ لِصَوْمِهِ، فَحَرُمَتْ، كَالْأَكْلِ. وَإِنْ كَانَ ذَا شَهْوَةٍ، لَكِنَّهُ لَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنَّهُ ذَلِكَ، كُرِهَ لَهُ التَّقْبِيلُ؛ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُ صَوْمَهُ لِلْفِطْرِ، وَلَا يَأْمَنُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَقُلْت لَهُ: مَا لِي؟ فَقَالَ: " إنَّك تُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ ". وَلِأَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا مَنَعَتْ الْوَطْءَ مَنَعَتْ الْقُبْلَةَ، كَالْإِحْرَامِ. وَلَا تَحْرُمُ الْقُبْلَةُ فِي هَذِهِ الْحَالِ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا قَبَّلَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَرْسَلَ امْرَأَتَهُ، فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ مِثْلَنَا، قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مَنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. فَغَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَعْلَمُكُمْ بِمَا أَتَّقِي» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ. وَلِأَنَّ إفْضَاءَهُ إلَى إفْسَادِ الصَّوْمِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَلَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِالشَّكِّ، فَأَمَّا إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُحَرِّكُ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ، كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ.
وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ لَمَّا كَانَ مَالِكًا لِإِرْبِهِ، وَغَيْرُ ذِي الشَّهْوَةِ فِي مَعْنَاهُ. وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَأَتَاهُ آخَرُ، فَسَأَلَهُ، فَنَهَاهُ، فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ، وَإِذَا الَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، فَأَشْبَهَتْ لَمْسَ الْيَدِ لِحَاجَةٍ. وَالثَّانِيَةُ، يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ حُدُوثَ الشَّهْوَةِ، وَلِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ تَمْنَعُ الْوَطْءَ، فَاسْتَوَى فِي الْقُبْلَةِ فِيهَا مَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ، وَغَيْرُهُ، كَالْإِحْرَامِ. فَأَمَّا اللَّمْسُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، كَلَمْسِ يَدِهَا لِيَعْرِفَ مَرَضَهَا، فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ فِي الْإِحْرَامِ، فَلَا يُكْرَهُ فِي الصِّيَامِ، كَلَمْسِ ثَوْبِهَا.
Al_Inshof III/328-329:
قَوْلُهُ (وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، فَاعِلُ الْقُبْلَةِ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: كَرَاهَةُ ذَلِكَ فَقَطْ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَصَحَّحَهُ، وَعَنْهُ تَحْرُمُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَظُنَّ الْإِنْزَالَ، فَإِنْ ظَنَّ الْإِنْزَالَ حَرُمَ عَلَيْهِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا تُكْرَهُ لَهُ الْقُبْلَةُ إذَا لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ. عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْوَجِيزِ: وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ بِشَهْوَةٍ، فَمَفْهُومُهُ: لَا تُكْرَهُ بِلَا شَهْوَةٍ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَعَنْهُ تُكْرَهُ؛ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ الشَّهْوَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ.
تَنْبِيهٌ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ: عَائِدٌ إلَى مَنْ لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ وَعَلَيْهِ شَرْحُ الشَّارِحِ، وَابْنِ مُنَجَّى، وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَلِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ أَشْهَرُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى مَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا: وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ، فَلَا تُكْرَهُ. لَكِنْ يُبْعِدُ هَذَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَحْكِ الْخِلَافَ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي.
فَائِدَةٌ: إذَا خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ: وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُفْطِرْ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا، وَاعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ مَنْ اقْتَصَرَ مِنْ الْأَصْحَابِ كَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ عَلَى ذِكْرِ الْقُبْلَةِ: دَوَاعِي الْجِمَاعِ بِأَسْرِهَا أَيْضًا. وَلِهَذَا قَاسُوهُ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَقَالُوا: عِبَادَةٌ تَمْنَعُ الْوَطْءَ فَمَنَعَتْ دَوَاعِيَهُ. قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ: وَاللَّمْسُ، وَتَكْرَارُ النَّظَرِ كَالْقُبْلَةِ. لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَاهَا، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْقُبْلَةِ: وَكَذَا الْخِلَافُ فِي تَكْرَارِ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ فِي الْجِمَاعِ، فَإِنْ أَنْزَلَ أَثِمَ وَأَفْطَرَ، وَالتَّلَذُّذُ بِاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ، وَالْمُعَانَقَةِ وَالتَّقْبِيلِ سَوَاءٌ. هَذَا كَلَامُهُ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ.
Kisyaaf al_Qinaa' II/329-330:
(وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ مِمَّنْ تُحَرَّكُ شَهْوَتُهُ) فَقَطْ لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ: وَ " نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا شَابًّا، وَرَخَّصَ لِشَيْخٍ " حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَكَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسً بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
(وَإِنْ ظَنَّ الْإِنْزَالَ) مَعَ الْقُبْلَةِ لِفَرْطِ شَهْوَتِهِ (حَرُمَ) بِغَيْرِ خِلَافٍ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ (وَلَا تُكْرَهُ) الْقُبْلَةُ (مِمَّنْ لَا تُحَرَّكُ شَهْوَتُهُ) لِمَا سَبَقَ (وَكَذَا دَوَاعِي الْوَطْءِ كُلُّهَا) مِنْ اللَّمْسِ وَتَكْرَارِ النَّظَرِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْقُبْلَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
Ar_Roudh an_Nadi Syarh al_Kaafi al_Mubtadi I/165:
 و (قبلة ونحوها) من دواعي وطء كمعانقة وتكرر نظر (ممن تحرك) القبلة ونحوها (شهوته)، ولا تكره ممن لا تحركها، (وتحرم) قبلة ونحوها (إن ظن) بها (إنزالاً) وظاهره مطلقًا، قلت ما لم يكن الصوم نفلاً لعدم وجوب إتمامه، ثم إن أنزل أفطر وعليه قضاء واجب،
Fiqh al_Ibadaat ala Madzhab al_Hanbali I/405:
 ما يكره للصائم:
-١- ذوق الطعام، فإن فعل فلم يصل شيء إلى حلقه لم يضره.
-٢- مضغ العلك القوي الذي لا يتحلل منه شيء، فإن كان ما يتحلل وابتلع منه شيء فيفطر فاعله.
-٣- الغوص في الماء لئلا يدخل الماء في أذنيه، فإن دخل فهو كالداخل من المبالغة في الاستنشاق، أما الغسل فلا بأس به لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً ثم يغتسل. [ص: ٤٠٦]
-٤- المباشرة للصائم بلمس أو تكرار نظر أو قبلة لمن تحرك شهوته، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخر فسأله فنهاه، فإذا الذي رخّص له شيخ، والذي نهاه شاب) (١) .
____________
(١) أبو داود: ج-٢/ كتاب الصوم باب ٣٥/٢٣٨٧.
Syarh an_Nawawi ala Muslim VII/215-220:
(بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْقُبْلَةَ فِي الصَّوْمِ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى مَنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْقُبْلَةُ فِي الصَّوْمِ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى مَنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ لَكِنَ الْأَوْلَى لَهُ تَرْكُهَا وَلَا يُقَالُ إِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ لَهُ وَإِنَّمَا قَالُوا إِنَّهَا خِلَافُ الْأَوْلَى فِي حَقِّهِ مَعَ ثُبُوتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْمَنُ فِي حَقِّهِ مُجَاوَزَةُ حَدِّ الْقُبْلَةِ وَيُخَافُ عَلَى غَيْرِهِ مُجَاوَزَتُهَا كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ وَأَمَّا مَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ فَهِيَ حَرَامٌ فِي حَقِّهِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقِيلَ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ قَالَ الْقَاضِي قَدْ قَالَ بِإِبَاحَتِهَا لِلصَّائِمِ مُطْلَقًا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَكَرِهَهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ مَالِكٌ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ تُكْرَهُ لِلشَّابِّ دُونَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مالك وروى بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إِبَاحَتَهَا فِي صَوْمِ النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ الْمَنِيُّ بِالْقُبْلَةِ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي السُّنَنِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ مُقَدِّمَةُ الشُّرْبِ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهَا لَا تُفْطِرُ وَكَذَا الْقُبْلَةُ مُقَدِّمَةٌ لِلْجِمَاعِ فَلَا تُفْطِرُ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ وغيره عن بن مَسْعُودٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ مَنْ قَبَّلَ قَضَى يَوْمًا مَكَانَ يَوْمِ الْقُبْلَةِ

[١١٠٦] قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ إِحْدَى نِسَائِهِ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَضْحَكُ) قَالَ الْقَاضِي قِيلَ يَحْتَمِلُ ضَحِكُهَا التَّعَجُّبَ مِمَّنْ خَالَفَ فِي هَذَا وَقِيلَ التَّعَجُّبُ مِنْ نَفْسِهَا حَيْثُ جَاءَتْ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي يُسْتَحْيَ مِنْ ذِكْرِهِ لَا سِيَّمَا حَدِيثُ الْمَرْأَةِ بِهِ عَنْ نَفْسِهَا لِلرِّجَالِ لَكِنَّهَا اضْطُرَّتْ إِلَى ذِكْرِهِ لِتَبْلِيغِ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ فَتَتَعَجَّبُ مِنْ ضَرُورَةِ الْحَالِ الْمُضْطَرَّةِ لَهَا إِلَى ذَلِكَ وَقِيلَ ضَحِكَتْ سُرُورًا بِتَذَكُّرِ مَكَانِهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَالِهَا مَعَهُ وَمُلَاطَفَتِهِ لَهَا قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا ضَحِكَتْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا صَاحِبَةُ الْقِصَّةِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الثِّقَةِ بِحَدِيثِهَا قَوْلُهُ (فَسَكَتَ سَاعَةً) أَيْ لِيَتَذَكَّرَ قَوْلُهَا وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ رَوَوْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَشْهَرُهُمَا رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ إِرْبَهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَمَعْنَاهُ بِالْكَسْرِ الْوَطَرُ وَالْحَاجَةُ وَكَذَا بِالْفَتْحِ وَلَكِنَّهُ يُطْلَقُ الْمَفْتُوحُ أَيْضًا عَلَى الْعُضْوِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ تُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ الْفَتْحِ وَالْكَسْرِ قَالَ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ حَاجَةُ النَّفْسِ وَوَطَرُهَا يُقَالُ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ إِرْبٌ وَأَرَبٌ وَإِرْبَةٌ وَمَأْرَبَةٌ أَيْ حَاجَةٌ قَالَ وَالْإِرْبُ أَيْضًا الْعُضْوُ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى كَلَامِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَكُمُ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْقُبْلَةِ وَلَا تَتَوَهَّمُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ مِثْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اسْتِبَاحَتِهَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَيَأْمَنُ الْوُقُوعَ فِي قُبْلَةٍ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا إِنْزَالٌ أَوْ شَهْوَةٌ أَوْ هَيَجَانُ نَفْسٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ لَا تَأْمَنُونَ ذَلِكَ فَطَرِيقُكُمُ الِانْكِفَافُ عَنْهَا وَفِيهِ جَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنْ مِثْلِ هَذَا مِمَّا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْجُمْلَةِ لِلضَّرُورَةِ وَأَمَّا فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ قَوْلُهَا (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ) مَعْنَى الْمُبَاشَرَةِ هُنَا اللَّمْسُ بِالْيَدِ وَهُوَ مِنَ الْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ قَوْلُهُ (دَخَلَا عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِيَسْأَلَانِهَا) كَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ لِيَسْأَلَانِهَا بِاللَّامِ وَالنُّونِ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ يَسْأَلَانِهَا بحذف اللَّامِ وَهَذَا وَاضِحٌ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْعَرَبِيَّةِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهُ) هَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ يَحْيَى وَأَبُو سَلَمَةَ وَعُمَرُ وَعُرْوَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الْحَرِيرِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ (عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ) هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْقَافِ قَوْلُهَا (يُقَبِّلُ فِي شَهْرِ الصَّوْمِ) يَعْنِي فِي حَالِ الصيام [١١٠٧] قَوْلُهُ (عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ) أَمَّا شُتَيْرٌ فَبِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقَ مَفْتُوحَةٍ وَأَمَّا شَكَلٌ فَبِشِينٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ كَافٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ سَكَّنَ الْكَافَ وَالْمَشْهُورُ فَتْحُهَا

[١١٠٨] قَوْلُهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَشَدُّكُمْ خَشْيَةً لَهُ) سَبَبُ قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ جَوَازَ التَّقْبِيلِ لِلصَّائِمِ مِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيمَا يَفْعَلُ لِأَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا وَقَالَ أَنَا أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَشَدُّكُمْ خَشْيَةً فَكَيْفَ تَظُنُّونَ بِي أَوْ تُجَوِّزُونَ عَلَيَّ ارْتِكَابَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَنَحْوِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ حِينَ قَالَ الْقَائِلُ هَذَا الْقَوْلَ وَجَاءَ فِي الْمُوَطَّأِ فِيهِ يُحِلُّ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
Fath al_Bari Li Ibn Hajar IV/149-151:
[١٩٢٧] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ عَنْ سَعِيدٍ بِمُهْمَلَةٍ وَآخِرُهُ دَالٌ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ فَلَيْسَ فِي شُيُوخِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ أَحَدٌ اسْمُهُ سعيد حَدثهُ عَن الحكم وَالْحكم الْمَذْكُور هُوَ بن عُتَيْبَةَ وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ عَلَى الصَّوَابِ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عَلْقَمَةَ وَشُرَيْحَ بْنَ أَرْطَاةَ رَجُلَانِ مِنَ النَّخَعِ كَانَا عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ سَلْهَا عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ قَالَ مَا كُنْتُ لِأَرْفُثَ عِنْدَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ رَوَاهُ غُنْدَرٌ وبن أَبِي عَدِيٍّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ شُعْبَةَ فَقَالُوا عَنْ عَلْقَمَةَ وَحَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ عَنِ الْأَسْوَدِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَصَرَّحَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ حَمْزَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَنْهُ بِأَنَّهُ خَطَأٌ قُلْتُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الْبُخَارِيِّ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ وَكَأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ حَرْبٍ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ كَانَ حَفِظَهُ عَنْ شُعْبَةَ فَلَعَلَّ شُعْبَةَ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَإِلَّا فَأَكْثَرُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ لَمْ يَقُولُوا فِيهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنِ الْأَسْوَدِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَرِوَايَةِ يُوسُفَ الْمُتَقَدّمَة وَصورتهَا الْإِرْسَال وَكَذَا أخرجه النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنِ شُعْبَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَشُرَيْحٍ وَقَدْ تَرْجَمَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الِاخْتِلَافَ فِيهِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَالِاخْتِلَافَ عَلَى الْحَكَمِ وَعَلَى الْأَعْمَشِ وَعَلَى مَنْصُورٍ وَعَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ كُلُّهُمْ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَأَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ خَرَجَ نَفَرٌ مِنَ النَّخَعِ فِيهِمْ رَجُلٌ يُدْعَى شُرَيْحًا فَحَدَّثَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَضْرِبَ رَأْسَكَ بِالْقَوْسِ فَقَالَ قُولُوا لَهُ فَلْيَكُفَّ عَنِّي حَتَّى نَأْتِيَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا أَتَوْهَا قَالُوا لِعَلْقَمَةَ سَلْهَا فَقَالَ مَا كُنْتُ لِأَرْفُثَ عِنْدَهَا الْيَوْمَ فَسَمِعَتْهُ فَقَالَتْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدَةَ عَنْ مَنْصُورٍ فَجَعَلَ شُرَيْحًا هُوَ الْمُنَكَّرَ وَأَبْهَمَ الَّذِي حَدَّثَ بِذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ ثُمَّ اسْتَوْعَبَ النَّسَائِيُّ طُرُقَهُ وَعُرِفَ مِنْهَا أَنَّ الْحَدِيثَ كَانَ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ جَمِيعًا فَلَعَلَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ تَارَةً عَنْ هَذَا وَتَارَةً عَنْ هَذَا وَتَارَةً يَجْمَعُ وَتَارَةً يُفَرِّقُ وَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كُلُّهَا صِحَاحٌ وَعُرِفَ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلِ سَبَبُ تَحْدِيثِ عَائِشَةَ بِذَلِكَ وَاسْتِدْرَاكِهَا عَلَى مَنْ حَدَّثَ عَنْهَا بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِقَوْلِهَا وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ فَأَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْإِبَاحَةَ لِمَنْ يَكُونُ مَالِكًا لِنَفْسِهِ دُونَ مَنْ لَا يَأْمَنُ مِنَ الْوُقُوعِ فِيمَا يَحْرُمُ وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ قَالَ الْأَسْوَدُ قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَيُبَاشِرُ الصَّائِمُ قَالَتْ لَا قُلْتُ أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَتْ إِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهَا اعْتَقَدَتْ خُصُوصِيَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ وَهُوَ اجْتِهَادٌ مِنْهَا وَقَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ يَعْنِي الْآتِي ذِكْرُهُ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ لِأَنَّهُ نَصٌّ فِي الْوَاقِعَةِ قُلْتُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ صَرِيحًا إِبَاحَةُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهَا الْمُتَقَدِّمِ إِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْجِمَاعَ بِحَمْلِ النَّهْيِ هُنَا عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ فَإِنَّهَا لَا تُنَافِي الْإِبَاحَةَ وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ لِيُوسُفَ الْقَاضِي مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادٍ بِلَفْظِ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَكَرِهَتْهَا وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي تَصْدِيرِ الْبُخَارِيِّ بِالْأَثَرِ الْأَوَّلِ عَنْهَا لِأَنَّهُ يُفَسِّرُ مُرَادَهَا بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي طَرِيقِ حَمَّادٍ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَرَى بِتَحْرِيمِهَا وَلَا بِكَوْنِهَا مِنَ الْخَصَائِصِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا وَهُوَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْنُوَ مِنْ أَهْلِكَ فَتُلَاعِبَهَا وَتُقَبِّلَهَا قَالَ أُقَبِّلُهَا وَأَنَا صَائِمٌ قَالَتْ نَعَمْ قَوْلُهُ كَانَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ التَّقْبِيلُ أَخَصُّ مِنَ الْمُبَاشَرَةِ فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ كَانَ يُقَبِّلُ فِي شَهْرِ الصَّوْمِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى عَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ صَوْمِ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَكَرِهَهَا قَوْمٌ مُطْلَقًا وَهُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَرَوَى بن أبي شيبَة بِإِسْنَاد صَحِيح عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ وَنَقَلَ بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ قَوْمٍ تَحْرِيمَهَا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَالْآن باشروهن الْآيَةَ فَمَنَعَ الْمُبَاشَرَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَهَارًا وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُبَيِّنُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ أَبَاحَ الْمُبَاشَرَةَ نَهَارًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَاشَرَةِ فِي الْآيَةِ الْجِمَاعُ لَا مَا دُونَهُ مِنْ قُبْلَةٍ وَنَحْوِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِمَّنْ أَفْتَى بِإِفْطَارِ مَنْ قَبَّلَ وَهُوَ صَائِمٌ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شُبْرُمَةَ أَحَدُ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ وَنَقَلَهُ الطَّحَاوِيّ عَن قوم لم يسمهم والزم بن حَزْمٍ أَهْلَ الْقِيَاسِ أَنْ يُلْحِقُوا الصِّيَامَ بِالْحَجِّ فِي منع الْمُبَاشَرَةِ وَمُقَدِّمَاتِ النِّكَاحِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى إِبْطَالِهِمَا بِالْجِمَاعِ وَأَبَاحَ الْقُبْلَةَ قَوْمٌ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَنْقُولُ صَحِيحًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِهِ قَالَ سَعِيدٌ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَطَائِفَةٌ بَلْ بَالَغَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَاسْتَحَبَّهَا وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ الشَّابِّ وَالشَّيْخِ فَكَرِهَهَا لِلشَّابِّ وَأَبَاحَهَا لِلشَّيْخِ وَهُوَ مَشْهُورٌ عَن بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمَا وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثَانِ مَرْفُوعَانِ فِيهِمَا ضَعْفٌ أَخْرَجَ أَحَدَهُمَا أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْآخَرُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ مَنْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَمَنْ لَا يَمْلِكُ كَمَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ عَائِشَةُ وَكَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ لِلصَّائِمِ إِذَا مَلَكَ نَفْسَهُ أَنْ يُقَبِّلَ وَإِلَّا فَلَا لِيَسْلَمَ لَهُ صَوْمُهُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ وَالشَّافِعِيِّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ رَبِيبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ فَقَالَ سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّابَّ وَالشَّيْخَ سَوَاءٌ لِأَنَّ عُمَرَ حِينَئِذٍ كَانَ شَابًّا وَلَعَلَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَا بَلَغَ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْخَصَائِصِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ تَسْأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ زَوْجُهَا يُرَخِّصُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ فِيمَا يَشَاءُ فَرَجَعَتْ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِ اللَّهِ وَأَتْقَاكُمْ وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ لَكِنَّهُ أَرْسَلَهُ قَالَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَجُلًا فَذَكَرَ نَحْوَهُ مُطَوَّلًا وَاخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا بَاشَرَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ نَظَرَ فَأَنْزَلَ أَوْ أَمَذَى فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ يَقْضِي إِذَا أَنْزَلَ فِي غَيْرِ النَّظَرِ وَلَا قَضَاءَ فِي الْإِمْذَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ يَقْضِي فِي كُلِّ ذَلِكَ وَيُكَفِّرُ إِلَّا فِي الْإِمْذَاءِ فَيَقْضِي فَقَطْ وَاحْتُجَّ لَهُ بِأَنَّ الْإِنْزَالَ أَقْصَى مَا يُطْلَبُ بِالْجِمَاعِ مِنَ الِالْتِذَاذِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ عُلِّقَتْ بِالْجِمَاعِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِنْزَالٌ فَافْتَرقَا وروى عِيسَى بن دِينَار عَن بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وُجُوبَ الْقَضَاءِ فِيمَنْ بَاشَرَ أَوْ قَبَّلَ فَأَنْعَظَ وَلَمْ يُمْذِ وَلَا أَنْزَلَ وَأَنْكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ حُذَيْفَةَ مَنْ تَأَمَّلَ خَلْقَ امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَائِمٌ بَطَلَ صَوْمُهُ لَكِن إِسْنَاده ضَعِيف وَقَالَ بن قُدَامَةَ إِنْ قَبَّلَ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ كَذَا قَالَ وَفِيه نظر فقد حكى بن حَزْمٍ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَلَوْ أَنْزَلَ وَقَوَّى ذَلِكَ وَذَهَبَ إِلَيْهِ وَسَأَذْكُرُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ زِيَادَةً فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ لِأَرَبِهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ أَيْ حَاجَتُهُ وَيُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ عُضْوُهُ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَإِلَى تَرْجِيحِهِ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ بِمَا أَوْرَدَهُ مِنَ التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ مَأْرَبٌ حَاجَةٌ مَأْرَبٌ بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الرَّاء وَهَذَا وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى قَالَ حَاجَةٌ أُخْرَى كَذَا فِيهِ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْجَمْعِ بِالْوَاحِدِ فَلَعَلَّهُ كَانَ فِيهَا حَاجَاتٌ أَوْ حَوَائِجُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ مَآرِبُ أُخْرَى قَالَ حَوَائِجُ أُخْرَى قَوْله وَقَالَ طَاوس غير أولى الاربة الْأَحْمَقُ لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ غَيْرِ أُولِي الاربة قَالَ هُوَ الْأَحْمَقُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي النِّسَاءِ حَاجَةٌ وَقَدْ وَقَعَ لَنَا هَذَا الْأَثَرُ بِعُلُوٍّ فِي جُزْءِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ الْمَرْوِيِّ مِنْ طَرِيقِ السِّلَفِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي قَوْلِهِ لِأَرَبِهِ وَرَأَيْتُ بِخَطِّ مُغَلْطَايْ فِي شَرْحِهِ هُنَا قَالَ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ أَيْ فِي تَفْسِيرِ أُولِي الْإِرْبَةِ الْمُقْعَدُ وَقَالَ بن جُبَيْرٍ الْمَعْتُوهُ وَقَالَ عِكْرِمَةُ الْعِنِّينُ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقُطْبَ لَمَّا أَخْرَجَ أثر طَاوس قَالَ بعده وَعَن بن عَبَّاس المعقد إِلَخْ وَلَمْ يُرِدِ الْقُطْبُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ ذَكَرَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ الْقُطْبُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ إِنْ نَظَرَ فَأَمْنَى يُتِمُّ صَوْمَهُ وَصله بْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ هَرَمٍ سُئِلَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ رَجُلٍ نَظَرَ إِلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ فَأَمْنَى مِنْ شَهْوَتِهَا هَلْ يُفْطِرُ قَالَ لَا وَيُتِمُّ صَوْمَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْخِلَافِ فِيهِ قَرِيبًا تَنْبِيهٌ وَقَعَ هَذَا الْأَثَرُ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ هُنَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبَاقِينَ فِي أَوَّلِ الْبَاب الَّذِي بعده وَذكره بن بَطَّالٍ فِي الْبَابَيْنِ مَعًا وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْبَابَيْنِ مِنْ جِهَةِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ الْإِنْزَالُ بِاخْتِيَارِهِ بَين مَنْ يَقَعُ مِنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
Faidh al_Qodiir V/237:
 - (كان يقبل) النساء (وهو صائم) أخذ بظاهره أهل الظاهر فجعلوا القبلة سنة للصائم وقربة من القرب اقتداء به ووقوفا عند فتياه وكرهها آخرون وردوا على أولئك بأنه كان يملك إربه كما جاء به مصرحا هكذا في رواية البخاري فليس لغيره والجمهور على أنها تكره لمن حركت شهوته وتباح لغيره وكيفما كان لا يفطر إلا بالإنزال
(حم ق ٤ عن عائشة) لكن لفظ الشيخين كان يقبل ويباشر وهو صائم وكان أملكهم لإربه
Nail al_Author IV/249-251:
بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ إلَّا لِمَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ

١٦٥٦ - (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

١٦٥٧ - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لَإِرْبِهِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.
وَفِي لَفْظٍ: «كَانَ يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) .
وَعَنْ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّهُ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ لَهُ: سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ لَهُ: أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِيهِ أَنَّ أَفْعَالَهُ حُجَّةٌ) .

١٦٥٩ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ، فَرَخَّصَ لَهُ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَنَهَاهُ عَنْهَا، فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ، وَإِذَا الَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) .
_____________
[بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ إلَّا لِمَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ]
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ وَالْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ، وَفِي إسْنَادِهِ أَبُو الْعَنْبَسِ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ سَكَتُوا عَنْهُ. وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ: مَقْبُولٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِرَفْعِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. قَوْلُهُ: (كَانَ يُقَبِّلُهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّقْبِيلُ لِلصَّائِمِ وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ إلَّا إنْ أَنْزَلَ بِهَا وَلَكِنَّهُ مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ ابْنَ شُبْرُمَةَ أَفْتَى بِإِفْطَارِ مَنْ قَبَّلَ. وَنَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ قَوْمٍ وَلَمْ يُسَمِّهِمْ، وَقَدْ قَالَ بِكَرَاهَةِ التَّقْبِيلِ وَالْمُبَاشَرَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَوْمٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ قَوْمٍ تَحْرِيمَهُمَا، وَأَبَاحَ الْقُبْلَةَ مُطْلَقًا قَوْمٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ صَحِيحًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَعِيدٌ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَطَائِفَةٌ وَبَالَغَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ فَقَالَ: إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ. وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ الشَّابِّ وَالشَّيْخِ، فَأَبَاحُوهَا لِلشَّيْخِ دُونَ الشَّابِّ تَمَسُّكًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِمَا، وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ مَنْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَمَنْ لَا يَمْلِكُ.
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ وَالشَّافِعِيُّ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ إلَّا قَوْلٌ لِعَائِشَةَ، نَعَمْ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلشَّابِّ وَإِذْنُهُ لِلشَّيْخِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقْبِيلُ لِمَنْ خَشِيَ أَنْ تَغْلِبَهُ الشَّهْوَةُ وَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ التَّقْبِيلِ، وَلِذَلِكَ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى تَحْرِيمِ التَّقْبِيلِ عَلَى مَنْ كَانَ تَتَحَرَّكُ بِهِ شَهْوَتُهُ، وَالشَّابُّ مَظِنَّةٌ لِذَلِكَ. وَيُعَارِضُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَهْوَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُقَبِّلَنِي، فَقُلْتُ: إنِّي صَائِمَةٌ، فَقَالَ: وَأَنَا صَائِمٌ فَقَبَّلَنِي» وَعَائِشَةُ كَانَتْ شَابَّةٌ حِينَئِذٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخْتَصًّا بِالرِّجَالِ وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ مِنْ حَالِ عَائِشَةَ أَنَّهَا لَا تَتَحَرَّكُ شَهْوَتُهَا بِالتَّقْبِيلِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنْ وَجْهِهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُجَنِّبُهَا ذَلِكَ إذَا صَامَتْ تَنْزِيهًا مِنْهُ لَهَا عَنْ تَحَرُّكِ الشَّهْوَةِ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ بِمِثْلِهِ. وَقَدْ دَلَّ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَذْكُورُ عَلَى جَوَازِ التَّقْبِيلِ لِلصَّائِمِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الشَّابِّ وَغَيْرِهِ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخَصُّ مِنْهُ فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ التَّقْبِيلِ وَالْمُبَاشَرَةِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: ١٨٧] قَالُوا: فَمَنَعَ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَهَارًا. وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْمُبِينُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ أَبَاحَ الْمُبَاشَرَةَ نَهَارًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَاشَرَةِ فِي الْآيَةِ: الْجِمَاعُ لَا مَا دُونَهُ مِنْ قُبْلَةٍ وَنَحْوِهَا، وَغَايَةُ مَا فِي الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ عَامَّةً فِي كُلِّ مُبَاشَرَةٍ مُخَصَّصَةٍ بِمَا وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا أُذِنَ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّقْبِيلِ مَا لَمْ يَبْلُغْ إلَى حَدِّ الْجِمَاعِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: " كَانَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ " مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ، لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ فِي الْأَصْلِ الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ. وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا بَاشَرَ الصَّائِمُ أَوْ قَبَّلَ أَوْ نَظَرَ فَأَنْزَلَ أَوْ أَمْذَى، فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ: يَقْضِي إذَا أَنْزَلَ فِي غَيْرِ النَّظَرِ، وَلَا قَضَاءَ فِي الْإِمْذَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ: يَقْضِي فِي كُلِّ ذَلِكَ وَيُكَفِّرُ إلَّا فِي الْإِمْذَاءِ فَيَقْضِي فَقَطْ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ الْإِنْزَالَ أَقْصَى مَا يُطْلَبُ فِي الْجِمَاعِ مِنْ الِالْتِذَاذِ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ عُلِّقَتْ بِالْجِمَاعِ فَقَطْ.
وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ بَاشَرَ أَوْ قَبَّلَ فَأَنْعَظَ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، أَمْذَى أَمْ لَمْ يُمْذِ، وَأَنْكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ مَنْ تَأَمَّلَ خَلْقَ امْرَأَةٍ وَهُوَ صَائِمٌ بَطَلَ صَوْمُهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ، إنْ قَبَّلَ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ، كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ حَكَى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَلَوْ أَنْزَلَ وَقَوَّى ذَلِكَ وَذَهَبَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لِأَرَبِهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ: أَيْ حَاجَتِهِ، وَيُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ: أَيْ عُضْوِهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْأَوَّلُ أَشْهُرُ، وَإِلَى تَرْجِيحِهِ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ بِمَا أَوْرَدَهُ مِنْ التَّفْسِيرِ انْتَهَى.
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُهَا وَيَمُصُّ لِسَانَهَا» قَالَ الْحَافِظُ: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْتَلِعْ رِيقَهُ الَّذِي خَالَطَهُ رِيقُهَا. وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَمَرَ امْرَأَتَهُ فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ زَوْجُهَا: رَخَّصَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ أَشْيَاءَ، فَرَجَعَتْ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِ اللَّهِ وَأَتْقَاكُمْ» وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ لَكِنَّهُ أَرْسَلَهُ. Mir'ah al_Mafaatih Syarh Misykah al_Mashobih VI/480-484:
٢٠٢٠- قوله: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل) من التقبيل أي نفسها كما في بعض الروايات أو بعض أزواجه كما في روايات أخرى (ويباشر) أي بعض نسائه يعني يلصق ويمس بشرتها ببشرته كوضع الخد على الخد ونحوه. وليس المراد المباشرة الفاحشة. قال ابن الملك: أي يلمس نساءه بيده. وأصل المباشرة التقاء البشرتين سواء أولج أو لم يولج، وقد يستعمل في الجماع وليس بمراد هنا. قال الشوكاني: المراد بالمباشرة المذكورة في الحديث ما هو أعم من التقبيل ما لم يبلغ إلى حد الجماع فيكون قوله: كان يقبل ويباشر من ذكر العام بعد الخاص، لأن المباشرة في الأصل التقاء البشرتين (وهو صائم) وفي رواية عمرو بن ميمون عن عائشة: كان يقبل في شهر الصوم، أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم. وفي رواية لمسلم: كان يقبل في رمضان وهو صائم فأشارت بذلك إلى عدم التفرقة بين الصوم الفرض والنفل قاله الحافظ (وكان أملككم) أي أغلبكم وأقدركم (لإربه) أكثرهم يرويه بفتحتين بمعنى الحاجة، أي حاجة النفس ووطرها تريد حاجة الجماع، وبعضهم يرويه بكسر فسكون وهو يحتمل معنى الحاجة والعضو أي الذكر. قال الحافظ: قوله "لأربه" بفتح الهمزة والراء وبالموحدة أي حاجته، ويروى بكسر الهمزة وسكون أي عضوه والأول أشهر وإلى ترجيحه أشار البخاري بما أورده من التفسير- انتهى. قلت: قال البخاري بعد رواية هذا الحديث. قال ابن عباس: أرب حاجة وقال طاووس: غير أولى الأربة الأحمق لا حاجة له في النساء. وقال الجزري في النهاية: لأربه أي لحاجته تعنى إنه كان غالباً لهواه. وأكثر المحدثين يروونه بفتح الهمزة والراء يعنون الحاجة، وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء وله تأويلان، أحدهما أنه الحاجة. والثاني: أرادت به العضو وعنت به من الأعضاء الذكر خاصة - انتهى. ورُدَّ تفسيره بالعضو بأنه خارج عن سنن الأدب. قال التوربشتي: حمل الأرب ساكن الراء على العضو في هذا الحديث غير سديد لا يغتربه إلا جاهل بوجوه حسن الخطاب مائل عن سنن الأدب ونهج الصواب وأجاب الطيبي بأنها ذكرت أنواع الشهوة مترقية من الأدنى إلى الأعلى فبدأت بمقدمتها التي هي القبلة ثم ثنت بالمباشرة التي هي المداعبة والمعانقة وأرادت أن تعبر عن المجامعة فكنت عنها بالإرب وأي عبارة أحسن منها - انتهى. وفيه أن المستحسن إذا إن الأرب بمعنى الحاجة كناية عن المجامعة. وأما ذكر الذكر فغير ملائم للأنثى كما لا يخفى لاسيما في حضور الرجال قاله القاري. وفي الموطأ أيكم أملك لنفسه، وبذلك فسر الترمذي في جامعه فقال ومعنى لإربه يعني لنفسه. قال العراقي: وهو أولى الأقوال بالصواب لأن أولى ما فسر به الغريب ما ورد في بعض طرق الحديث - انتهى. وقال شيخنا بعد ذكر كلام الترمذي: المذكور هذا بيان حاصل المعنى وقد عرفت أصل معنى لإربه- انتهى. واختلف في بيان معنى قول عائشة ومقصودها. فقيل أرادت أنه مع هذه المباشرة كان يأمن من الإنزال والوقاع فليس لغيره ذلك فهذا إشارة إلى علة عدم إلحاق الغير به في ذلك وعلى هذا فيكره لغيره القبلة والمباشرة وقيل المعنى أنه كان قادراً على حفظ نفسه عن القبلة والمباشرة لأنه كان أغلب الناس على هواة، ومع ذلك كان يقبل ويباشر وغيره قلما يصبر على تركهما، لأن غيره قلما يملك هواه فكيف لا يباح لغيره ففي قولها إشارة إلى أن غيره له ذلك بالأولى فسره بذلك من يجيزها للغير، ويجعل قولها علة في إلحاق الغير به - صلى الله عليه وسلم - ويؤيد هذا المعنى ما ذكره البخاري في صحيحه تعليقاً قالت عائشة: يحرم عليها فرجها. قال الحافظ: وصله الطحاوي عن حكيم بن عقال، قال سألت عائشة: ما يحرم علي من امرأتي وأنا صائم قالت فرجها وإسناده إلى حكيم صحيح، ويؤدي معناه ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن مسروق سألت عائشة ما يحل للرجل من امرأته صائماً قالت كل شيء إلا الجماع - انتهى ويؤيده أيضاً ما روى مالك عن أبي النضر عن عائشة بنت طلحة أخبرته أنها كانت عند عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل عليها زوجها، وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وهو صائم فقالت له عائشة ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتلاعبها وتقبلها. قال: أقبلها وأنا صائم قالت نعم. ولا يخفى أن محل هذا الأمن من الوقوع في الجماع أو الإنزال. وأما ما روى النسائي والبيهقي (ج ص٢٣٢) عن الأسود قال: قلت لعائشة أيباشر الصائم قالت لا: قلت أليس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يباشر، وهو صائم قالت: أنه كان أملككم لإربه. وظاهر هذا أنها اعتقدت خصوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال القرطبي: هذا اجتهاد من عائشة، وقول أم سلمة كان يقبلها وهو صائم أولى أن يؤخذ به لأنه نص في الواقعة وقال الحافظ: قد ثبت عن عائشة صريحاً إباحة ذلك فيجمع بين هذا وبين قولها المتقدم أنه يحل له كل شيء إلا الجماع بحمل النهي على كراهة التنزيه، فإنها لا تنافي الإباحة وفي كتاب الصيام ليوسف القاضي من طريق حماد بن سلمة عن حماد سألت عائشة عن المباشرة للصائم فكرهتها. قال الحافظ: ويدل على أنها كانت لا ترى بتحريمها ولا بكونها من الخصائص ما رواه مالك في الموطأ عن أبي النضر فذكر الأثر المتقدم. وقال ابن حزم: بعد ذكر هذا الأثر وقول عائشة يحل له كل شيء إلا الجماع ما لفظه فهذان الخيران يكذبان قول من يقول إنها أرادت بقولها، وأيكم أملك لإربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النهي عن القبلة والمباشرة للصائم - انتهى. وقد اختلف في القبلة والمباشرة بغير الجماع على أقوال الأول إنها مكروهة مطلقاً، وهو مشهور عند المالكية، ورواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر الثاني إنها محرمة واستدل لذلك بقوله تعالى: {فالآن باشروهن} [البقرة:١٨٧] قيل قد منع من المباشرة في هذه الآية نهاراً، وأجيب عن ذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المبين عن الله تعالى، وقد أباح المباشرة نهاراً بفعله كما أفاده حديث الباب فدل على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع لا ما دونه من قبله ونحوها. قال الحافظ: وممن أفتى بإفطار من قبل صائم وهو عبد الله بن شبرمة أحد فقهاء الكوفة ونقله الطحاوي عن قوم لم يسمهم - انتهى. قلت: وروى ذلك أيضاً عن ابن مسعود كما في مجمع الزوائد (ج٣ ص١٦٦) والبيهقي (ج٤ ص٢٣٤) الثالث إنها مباحة مطلقاً. قال الحافظ: وهو المنقول صحيحاً عن أبي هريرة وبه قال سعيد وسعد بن أبي وقاص وطائفة بل بالغ بعض أهل الظاهر (لعله أراد به ابن حزم، فإنه قال إنها حسنة مستحبة سنة من السنن وقربة من القرب إلى الله تعالى) فاستحبها - انتهى. ويدل لإباحة القبلة مطلقاً، ما روى عن عمر رضي الله عنه قال هَشهَشْت. يوماً فقبلت وأنا صائم فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت صنعت اليوم أمراً عظيماً قبلت وأنا صائم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم قلت: لا بأس بذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففيم. أخرجه أحمد (ج١ ص٢١- ٥٢) وأبوداود والنسائي والحاكم (ج١ ص٤٣١) والدارمي وابن حزم (ج٦ ص٢٠٩) وسكت عنه أبوداود وابن حزم. وقال النسائي إنه منكر وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. قال المازري: فيه إشارة إلى فقه بديع وهو إن المضمضة لا تنقض الصوم وهو أول الشرب ومفتاحه كما إن القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع وكما ثبت عندهم إن أوائل الشرب لا يفسد الصيام فكذلك أوائل الجماع كذا في الفتح. الرابع التفصيل فتكره للشاب وتباح للشيخ وهو مشهور عن ابن عباس أخرجه مالك وسعيد بن منصور وغيرهما وجاء فيه ثلاثة أحاديث مرفوعة، أخرج أحدها أبوداود من حديث أبي هريرة. وسيأتي في الفصل الثاني. والثاني أحمد (ج٢ ص١٨٥) والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء شاب. فقال: أقبل يا رسول الله: وأنا صائم قال لا، قال فجاء شيخ فقال أقبل وأنا صائم قال نعم فنظر بعضنا إلى بعض فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: قد علمت لم نظر بعضكم إلى بعض إن الشيخ يملك نفسه، وفي إسناده ابن لهيعة مختلف في الاحتجاج. والثالث البيهقي (ج٤ ص٢٣٢) من حديث عائشة. قال الزرقاني والقسطلاني: بإسناد صحيح إن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص في القبلة للشيخ وهو صائم ونهى عنها الشاب. وقال: الشيخ يملك إربه، والشاب يفسد صومه والخامس إن ملك نفسه جازت له وإلا فلا كما أشارت إليه عائشة في حديث الباب. قال الترمذي: ورأى بعض أهل العلم إن للصائم إذا ملك نفسه أن يقبل وإلا فلا، ليسلم له صومه وهو قول سفيان الثوري والشافعي - انتهى. قلت: وهو قول أبي حنيفة. قال محمد بن الحسن في موطأه: لا بأس بالقبلة للصائم إذا ملك نفسه بالجماع فإن خاف أن لا يملك نفسه فالكف أفضل وهو قول أبي حنيفة والعامة قبلنا - انتهى. وهو قول أحمد أيضاً قال ابن قدامة (ج٣ ص١١٢) المقبل إذا كان ذا شهوة مفرطة بحيث يغلب على ظنه أنه إذا قبل أنزل لم تحل له القبلة؛ لأنها مفسدة لصومه فحرمت كالأكل وإن كان ذا شهوة لكن لا يغلب على ظنه ذلك كره له التقبيل لأنه يعرض صومه للفطر ولا يأمن عليه الفساد ولا تحرم القبلة في هذه الحال لحديث عطاء بن يسار الآتي. ولأن إفضاءه إلى إفساد الصوم مشكوك فيه، ولا يثبت التحريم بالشك. فأما إن كان ممن لا تحرك القبلة شهوته كالشيخ الهرم ففيه روايتان أحدهما لا يكره له ذلك وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل وهو صائم لما كان مالكاً لإربه وغير ذي الشهوة في معناه. والثانية يكره لأنه لا يأمن حدوث الشهوة، فأما اللمس لغير شهوة كلمس يدها ليعرف مرضها فليس بمكروه بحال، لأن ذلك لا يكره في الإحرام فلا يكره في الصيام كلمس ثوبها - انتهى مختصراً. وفي الروض المربع تكره القبلة ودواعي الوطى لمن تحرك شهوته، لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عنها شاباً. ورخص لشيخ وغير ذي الشهوة في معنى الشيخ - انتهى مختصراً. قلت: واستدل لهذا القول بما رواه مسلم من طريق عمر بن أبي سلمة وهو ربيب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيقبل الصائم؟ فقال: سل هذه لأم سلمة فأخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك فقال: يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له. قال الحافظ بعد ذكره: دل ذلك على أن الشاب والشيخ سواء، لأن عمر حينئذٍ كان شاباً ولعله كان أول ما بلغ، وفيه دلالة على أنه ليس من الخصائص، وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عطاء بن يسار عن رجل من الأنصار أنه قبل امرأته وهو صائم فأمر امرأته أن تسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فسألته فقال إني أفعل ذلك فقال زوجها يرخص الله لنبيه فيما شاء فرجعت فقال أنا أعلمكم بحدود الله وأتقاكم وأخرجه مالك لكنه أرسله. قال عن عطاء إن رجلاً فذكر نحوه مطولاً - انتهى. السادس إنها مباحة في النفل مكروهة في الفرض وهي رواية ابن وهب عن مالك. وقد ظهر مما ذكرنا إن أعدل الأقوال وأقواها هو ما ذهب إليه الشافعي ومن وافقه من التفريق بين من يملك نفسه ومن لا يملك وبه يحصل الجمع بين الأحاديث المختلفة ويفهم من التعليل المذكور في حديثي عبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة المذكورين في القول الرابع، إن الإباحة والكراهة دائرة مع ملك النفس وعدمه وعلى هذا فليس كبير فرق بين القول الرابع والخامس فالتعبير بالشيخ والشاب جرى على الغالب من أحوال الشيوخ في انكسار شهوتهم ومن أحوال الشباب في قوة شهوتهم فلو انعكس الأمر انعكس الحكم، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً وروى النسائي من طريق طلحة بن عبد الله التميمي عن عائشة. قالت: أهوى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليقبلني فقلت إني صائمة فقال وأنا صائم فقبلني، وهذا يؤيد ما تقدم إن النظر في ذلك لمن لا يتأثر بالمباشرة والتقبيل لا للتفرقة بين الشاب والشيخ، لأن عائشة كانت شابة. نعم لما كان الشباب مظنة لهيجان الشهوة فرق من فرق. وقال المازري: ينبغي أن يعتبر حال المقبل فإن أثارت منه القبلة الإنزال حرمت عليه؛ لأن الإنزال يمنع منه الصائم فكذلك ما أدى إليه وإن كان عنها المذي. فمن رأى القضاء منه قال يحرم في حقه، ومن رأى أن لا قضاء. قال: يكره وإن لم تؤد القبلة إلى شيء فلا معنى للمنع منها إلا على القول بسد الذريعة. وقال النووي: القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته لكن الأولى له تركها، وأما من حركت شهوته فهي حرام في حقه على الأصح وقيل: مكروهة - انتهى. واختلف فيما إذا باشر أو قبل أو نظر فأنزل أو أمذى فقال الكوفيون والشافعي: يقضي إذا أنزل في غير النظر ولا قضاء في الإمذاء. وقال مالك وإسحاق: يقضي في كل ذلك ويكفر إلا في الإمذاء فيقضي فقط. وروى عيسى بن دينار عن ابن القاسم عن مالك وجوب القضاء فيمن باشر أو قبل فانعظ ولم يمذ ولا أنزل، وأنكره غيره عن مالك. وقال ابن قدامة: إن قبل فأنزل أفطر بلا خلاف كذا قال وفيه نظر. فقد حكى ابن حزم أنه لا يفطر ولو أنزل وقوى ذلك وذهب إليه كذا في الفتح (متفق عليه) وأخرجه أحمد ومالك والترمذي وأبوداود والنسائي في الكبرى والدارمي والطحاوي والبيهقي والدارقطني بألفاظ. وفي الباب عن حفصة عند مسلم وأم سلمة عند الشيخين.
 
Top